قد نشعر بلذة السعادة، ومرارة أوجاع الألم، وقد نعيش أوقاتٍ عصيبة نُحاول فقط لملمة مشاعرنا الجياشة ما بين ما كنا نُعاني وما نعيشه الآن، ربما يعجز الكثير منا عن توضيح مرارة ألم الفراق، لكنه بالمقابل لا يجد صعوبة في نقل لحظات السعادة، وقد تكون بصورة سريعة وموجزة.
" لنا في فراق الأحبة وجع لا يزول، والم لا ينتهي "
لطالما كنت أتساءل عن السبب؟ ماهي لحظات الفراق؟ وكم تدوم؟ وهل تنتهي أم تستمر على مر العصور، والأزمان؟
وكل يوم يمر أدركت فيه بأننا في هذه الحياة نلتقي ، ونعيش أجمل اللحظات لنفترق، قد تختلف سبل الفراق لكن أوجاعها واحدة.
شعور الفقد من أقسى المشاعر المؤلمة التي قد تعيش وقد تنمو من خلال ذكرياتنا ، ويبقى ألم ما قبل الفراق أصعب مما بعد الفراق، شعور موجع عندما تدرك بأن أغلى انسان على قلبك سوف يفارقك بالقريب العاجل ، رحيل الأب أحد الخسائر التي لا تُعوّض ، وغصةٍ في العُمر، تبقى خيرة الله فيما كتبه لنا من الأحزان والأوجاع فوق كُل ذي حكيم .
" شعور الهزيمة مُصاحب قلة الحيلة يرتابني كل ليلة وأنا بجواره، وكنت أقل ماكنت أقدمه قراءة القرآن مع بعض الملطفات، كانت عائلتي آنذاك تهتم بأن لا يفارق والدي الحياة إلا والسعادة لا تُفارق محياه ، فالقلوب الصالحة لا تخلوا من الايمان بيقين الله حتى في أوج أوجاعها .
رحلت يا أبي ورحل معك زمن وذكرياتٍ جميلة لن تعود ، ودفنت معك تفاصيل كثيرة كانت سر سعادتي لحظة تغطيتي جسدك البارد ببشتك العطر ، ستبقى ذكراك بين أضلع صدري مُعطرة بالدُعاء في ظهر الغيب ، رُبما رحلت من هذه الدُنيا ، وللعالم أجمع لكنك لم ترحل من قلبي ومُخيلتي .
" رحلت وتركت لنا اسما ينبض بالحياة ، وأفعال يشهد لها الزمان "
لحظات الفراق كالظلام الدامس عند تخترق القفص الصدري إلى اجوفة القلب، فكأنما لا نرى الا معاناة من نُحب ولحظات رحيله، لازلت أتذكر ذلك الشريط القاتم بآخر اللحظات قبل رحيل والدي، لازلت اشعر بلمسات يديه وبرودتها، وصعوبة أنفاسه، ودقات قلبه الضعيفة، وأنا اتلوا كل آية لعلها تكون سبب في الهون من هول ما كان يُعاني، إلى أن فارق الحياة ،
وهو مُبتسم بعد أن نطق الشهادتين، والصلاة على حبيب الله، وودعنا أجمل الوادعات.
عندما " فارق والدي الحياة ، سقط قلبي " عندها كان قولي:" وداعة الله في ودائعه “، ألم الفقد مؤلم ، لكن أستطيع القول بأن هذه الحياة قصيرة في موجزها، عيشوا ما شئتم مع من أحببتم، وكونوا على اعتقاد واحد " بأن تعيشوا هذه الحياة عيشة الفقراء، وأن تموتوا ميته الأغنياء “.
فكم مدائِن في الآفاق قد بُنيت
أمست خراباً وأفنى الموت أهليها
لا تركننّ إلى الدُّنيا وما فيها
فالموت لا شك يفنينا ويفنيها
إلى أرواح لم يبقى بيننا وبينها سواء الدعاء ، إلى صاحب المبسم الذي لا يُنسى ، والملامح التي لا تغيب ، سلامٌ عليهم من كُلّ جانب ، ربّنا انظر اليهم نظرة رضا ، وأنزل عليهم نوراً من نورك ، " اللهم إن أبي في ذمّتك وحبل جوارك ، خرج من الدُّنيا ، واحبابه فيها إلى ظُلمة القبر ، اللهم احمه تحت الأرض ، واستره يوم العرض ، ولا تُخزه يوم يُبعثون "