في حياتنا نوعان من العبء المرضي، عبء يمكن تفاديه وآخر يصعب توقّيه، ومن رحمة الله بنا أن ما يمكن تفاديه أكبر يكثير مما يصعب توقّيه، ومن ذلك الإصابة بارتفاع ضغط الدم (ارتفاع ضغط الدم هو زيادة متواصلة في الضغط على الأوعية الدموية، مما يزيد العبء على وظيفة ضخ الدم في القلب؛ لذلك يعتبر أحد العوامل الرئيسية لأمراض القلب والأوعية الدموية، التي تشكِّل معًا السبب الأول في العالم للوفاة المبكِّرة)،وبمعرفتنا بأن هذا المرض قد يصيب أي إنسان في أي وقت خلال مراحل حياته و خاصةً مع التقدم في العمر، فإننا معنيّون بإدراك العوامل التي نستطيع التحكم فيها، وبالتالي تخفيف احتمال الإصابة بالمرض بإذن الله، وكذلك ينبغي فهم العوامل التي لا نستطيع التحكم فيها ولكن يمكننا التعامل مع نتائجها نحو الحد من تداعياتها.
لذا يجب علينا التنبّه للعوامل التي يمكن التحكم بها أوّلاً، فذلك يساعد على تجنب الإصابة بالمرض، ضمن تطبيق الإجراءات الوقائيّة المعياريّة على مستوى الفرد والمجتمع. وقد لوحظ مؤخراً ازدياد أعداد المصابين بهذا المرض وهو ما يعزى لعوامل عدة ترتبط كثيراً بأسلوب الحياة اليومي، وخاصة مع التطور الذي نشهده، حيث أًصبح الإنسان يعيش حياة تكاد تخلو من الحركة، مع الإسراف في استخدام وسائل النقل الحديثة، وهو ما يعرف بحياة القعدة التي تتمثل في جلوس المرء لساعات دون حركة مستمرة، ومن ذلك قضاء وقت طويل في مشاهدة التلفاز مع تناول الأطعمة غير الصحيّة ومنها الوجبات السريعة، وغير ذلك من العوامل التي قد تهيئ لمرض العصر (السمنة)، أحد أهم عوامل اختطار الإصابة بارتفاع ضغط الدم.
وتشير بيانات منظّمة الصحّة العالميّة إلى أن: "الأمراض غير السارية أو المزمنة تسبب في ما يزيد على 50% من الوفيات السنوية و60% من العبء المرضي، في إقليم شرق المتوسط، وتتراوح نسبة الوفيات الناجمة عن الأمراض القلبية الوعائية بين 49% في سلطنة عُمان و13% في الصومال".
وأوضحت نتائج المسح الصحي الذي قامت به وزارة الصحة في المملكة عام 2014 أن معدل انتشار ارتفاع ضغط الدم في المملكة العربية السعودية بلغ (15.1%) منها (17.7%) عند الذكور، بينما بلغ عند الإناث (12.5%)، كما تزداد معدلات الإصابة بارتفاع ضغط الدم مع التقدم في العمر؛ حيث سجل أعلى معدل إصابة في الفئة العمرية 65سنة فأكثر بنسبة بلغت (65.2% )، كما بين المسح أن نسبة انتشار ما قبل ارتفاع ضغط الدم عند الذكور بلغت (46.5%) أي ما يعادل (3.04) مليون، وبلغت النسبة عند الإناث (34.3%) بما يعادل (2.18) مليون.
وتضيف منظّمة الصحّة العالميّة: "تشير البيانات إلى أن أكثر من ربع البالغين من السكان لديهم ارتفاع في ضغط الدم، كما لوحظ انتشار فرط كوليستيرول الدم، بشكل مرتفع، وبنسبة تتراوح بين 14% و52% لدى البالغين ممن تقع أعمارهم بين 15 و65 عاماً. ويشهد الإقليم (شرق المتوسّط) أعلى معدلات قلة النشاط البدني بين أقاليم المنظمة، حيث إن نحو 50% من النساء وأكثر من ثلث عدد الرجال لايزاولون نشاطاً بدنياً كافياً".
ونظراً لأهميّة هذه القضيّة الصحيّة، وأولويّتها على مستوى العبء المرضي في العالم عامّة وبلداننا خاصّة، فقد تم اختيار ارتفاع ضغط الدم موضوعاً ليوم الصحة العالمي والذي تم الاحتفاء به في 7 نيسان/أبريل 2013م، وكان شعاره: "دقات قلب صحية وضغط دم صحي".
ويعرّف ضغط الدم بالضغط الذي يوجد داخل الشرايين وبه يتم دفع الدم داخل الأوعية الدموية. وضغط الدم هو عبارة عن حاصل المقاومة بين مجرى الدم وكميّة ضخّه من القلب، ويعبر عنه برقمين علوي و سفلي، فالرقم العلوي يرمز إلى الضغط الانقباضي، أما الرقم السفلي فيرمز إلى الضغط الانبساطي للقلب. فإذا زاد ضغط الدم عن المعدل المعياري وفق ما هو متعارف عليه دولياً فإنّ ذلك يعتبر مرضاً يسمى مرض ارتفاع ضغط الدم أو زيادة التوتر الشرياني.
نوعا ارتفاع ضغط الدم الشرياني:
·النوع الأساسي الذي يمثل النسبة الأكبر من حالات ارتفاع ضغط الدم، وعلى الرغم من التقدم العلمي المحرز إلا أنّه لا يزال غير معروف السبب، غير أنّ الإصابة به تعزى لعوامل وراثية عائلية، ويمثل حوالي 95% من مرضى ارتفاع ضغط الدم.
·النوع الثانوي و هذا النوع يمثل نسبة بسيطة من مرضى ضغط الدم لا تتجاوز إحصائيّاً 5% إلا أنها نسبة مهمة جداً حيث أنه يتم في معظم الأحيان معالجتها نهائياً إذا عرفت أسبابها ومنها:
.أسباب كلوية المنشأ.
.التهاب الكبب الكلوية.
.التهاب حوض الكلية المزمن.
.تكيس الكليتين (مرض وراثي).
.تضيق شريان الكلية.
.الكلى السكرية (مضاعفات السكر على الكلى).
.الفشل الكلوي المزمن المتطلب لجلسات غسيل كلوي.
.أسباب هرمونية:وتنتج غالباً بسبب زيادة إفراز بعض الهرمونات في بعض الغدد الصماء نتيجة حدوث أورام في تلك الغدد أحياناً.
.أورام الغدة الجاركلويه (الغدة الكظرية):
.زيادة هرمون أدرينالين و نورأدرينالين.
.زيادة هرمون الكورتيزون.
.زيادة هرمون الألدوستيرون.
.ورم الغدة النخامية، وقد يؤدي إلى زيادة إفراز هرمون النمو أو الهرمون المحفز للغدة الكظرية.
وقد يرتفع أحياناً ضغط الدم بسبب اعتلال وظيفي في الغدة الدرقية أو الغدة جارالدرقية و ينضبط الضغط بمجرد معالجة هذا الاعتلال.
.تضيق الشريان الأورطي في الجزء النازل في منطقة الصدر، وهذا يؤدي إلى إرتفاع الضغط في الأطراف العلوية وهبوطه في الأطراف السفلية. الحمل: قد تصاب المرأة الحامل بارتفاع ضغط الدم في أي فترة من الحمل وخاصةً في الأشهر الثلاثة الأخيرة من الحمل، وهو ما قد يصاحب بزلال في البول (تسمم الحمل).
الأدوية: هناك بعض الأدوية التي بآثارها الجانبية قد تسبب ارتفاع في ضغط الدم، ويكون ذلك الارتفاع مؤقّتاً على الأغلب، وينتهي بمجرد إيقاف العلاج، ومن هذه الأدوية على سبيل المثال لا الحصر:
.الكورتيزون.
.حبوب منع الحمل.
.حبوب منع الشهية.
.الأريثروبويتين.
- بعض الأطعمة والمشروبات، ومنها المخللات (بسب وجود الملح )، والأطعمه المحتوية على نبات السوس، والمشروبات المحتوية على مادة الكافيين، والمشروبات الكحولية.
زيادة خضاب الدم وزيادة الخلايا الحمراء في الدم.
التشخيص:
بعد التأكد من قياس ضغط الدم بالطريقة الصحيحة، وقبل اعتماد أي شخص كمريض مصاب بارتفاع ضغط الدم، يجب أخذ ما يسمى بارتفاع ضغط الدم بسبب تأثير الرداء الأبيض في الاعتبار، نظراً للحالة النفسيّة التي قد يتركها العامل الصحّي على الإنسان، وينبغي التأكد من القياس بإعادته أكثر من مرة وفي أوقات مختلفة، وقد يحتاج الطبيب لطلب مراقبة الضغط لمدة 24 ساعة، ويتم ذلك بواسطة أجهزه خاصّة يتم توصيلها بالمريض لمراقبة الضغط في أوقات وظروف متباينة حتى خلال النوم، وهذا يساعد كثيراً في الوصول لتشخيص أفضل. وبعد ذلك وإذا كان هناك شك في وجود أسباب ثانوية لارتفاع ضغط الدم يتم إجراء الفحوصات المخبرية والتصوير بالأشعه السينية أو المحورية أو الرنين المغناطيسي، وأحيانا تكون هناك حاجة لإجراء مسح ذري( isotop scanning- nuclear medicine ) لإثبات أو نفي سبب معين لارتفاع ضغط الدم، وعلى ضوء النتائج تتم المعالجة.
العلاج:
لابد من أن نتذكّر دوماً أن العلاج ليس فقط عبارة عن وصفة لعقاقير طبية، وإنما مجموعة من العوامل التي تتكامل في سبيل تحقيق الشفاء بإذن الله، ففي حالات كثيرة قد لايحتاج المريض إلى تناول أي عقاقير طبية، بل يلعب النمطان الحياتي والتغذوي الدور الأبرز في سلامة الإنسان، ومن هذه العوامل:
1.تخفيف ملح الطعام في الأكل وعدم إضافته أثناء الأكل.
2.إنقاص الوزن الزائد.
3.ممارسة الرياضه بانتظام.
4.التوقّف عن تعاطي التبغ بأشكاله المختلفة.
5.تنوّع الطعام، والإقلال من الدهون المشبعة، والإكثار من الخضروات والفواكه.
أمّا إذا كان هناك سببٌ ثانويٌّ لارتفاع الضغط فإنّه يكون من الممكن وفي أغلب الاحيان معالجة السبب مباشرة، إمّا جراحياً او بواسطة الأشعّة التداخليّة، أوبواسطة العقاقير الطبيّة، وبعدها يعود الضغط للمعدل الطبيعي دون الحاجة للأدوية الخافضه للضغط.
وفي حال كان الضغط بسبب دواء أو نوع أكل معين فإنه يكفي التوقف عن أخذ الدواء إذا كان ذلك ممكناً، والامتناع عن الأكل المسبب لارتفاع الضغط كي يعود الوضع إلى المعدل المعياري.
أخيراً .. يجب التأكيد على أنّ المعالجه لا تكون ممكنة إلا بالتعاون بين الطبيب والمريض، فينبغي على الطبيب أوّلاً أن يبذل الجهد لتوعية المريض بأهمية الالتزام بالتعليمات قبل تناول الدواء، وأن يشرح له أهميّة ذلك على المدى البعيد، حتى نتجنّب العواقب الخطيرة التي قد تنجم عن إهمال التناول المنتظم لعلاج ضغط الدم، حيث أنّ مضاعفات المرض خطيرة، وقد تصيب المريض لا سمح الله بإعاقه دائمة، أو تودي بالحياة لا قدّر الله، ومن هذه المضاعفات:
1.حالات النزيف الدماغي بسبب ارتفاع ضغط الدم.
2.حالات اعتلال الكلى.
3.حالات اعتلال العين بسب ارتفاع ضغط الدم مما قد يؤدي إلى العمى لا سمح الله.
4.حالات اعتلال القلب والشرايين.
إن ذاكرتنا الثقافيّة العربيّة غنيّة دوماً بالأمثال والعبر التي نستقي منها حكمة تعيننا على أمور حياتنا، ومن منا لا يعلم أنّ "الوقاية خير من العلاج" .. علينا فقط ممارسة ما نعلم وأن نعمل كما أمرنا نبيّنا عليه الصلاة والسلام: "لا ضرر ولا ضرار" لنتفادى ما يضرنا، ونتمسك بما ينفعنا،ونسأل الله الوقاية للجميع والشفاء لمرضانا.
________ *استشاري الأمراض الباطنية والكلى بمستشفيات الحمادي بالرياض