ابتسامتهما.. هدوءهما.. أطلالتهما.. نموذج مثالي لزوجين قلّ وجودهما..
يتمنيان أن يموتا في يوم واحد..
وقد كان لهما ما أرادا..
في حادث مروري.. قضى الاثنان نحبهما..
خلف من بعدهما بنات ورجال صالحين..
فأقبلت عليهم الدنيا من كل الأبواب..
علم وصحة ومال وذرية..
لم يختلفوا.. ولم يجافي أحد منهم الآخر..
هكذا كان رأي من يعرفهم..
كبرت ذرياتهم..
غرسوا فيهم العلم.. فانطلقوا في بلاد أخرى ليتعلموا ويزيدوا حصيلتهم ثقافة عصرية ومعلومات جديدة إضافية..
نتيجة لذلك اختلفت عقولهم وعواطفهم.. وأصبحوا متمردين على تقاليدهم وأعرافهم السابقة.. وامتطت ذاتيتهم مراكبهم.. بنسب مختلفة..
تقدم أحدهم إلى عمه خاطباً ابنته..
تقابلت معه لتختار ويختار..
وافقا وتزوجا..
قالت.. لقد كان جدي وجدتي متحابين جداً.. ليتنا نكون مثلهما..
قال.. ليكن وعلى يدك..
تذهب كل صباح إلى أخر بنات الجد لتحكي لها العلاقة التي سادت والديها..
اقتبست الكثير.. وتعلمت وفهمت وطبقت.. وكل يوم يمر تحكي لزوجها عن زيارتها..
قال زوجها.. إن أجدادنا لم يكونوا مثقفين ومتعلمين مثلنا.. ولكن أخلاقهم وتعاملاتهم الفطرية والتي لم ندرسها في جامعاتنا أنقى وأطهر مما تعلمنا وعرفنا..
قالت.. لم ليكن عندهما غير القرآن والأحاديث النبوية وكتاب الف ليلة وعنتر بن شداد وقيس وليلى..
قال.. والمعلقات والشعر والمؤلفات المفيدة والكتَّاب الذين يعملون ليؤدوا رسالة رفيعة المعنى وعميقة المضمون..
قالت.. ماذا استفدنا مما تعلمناه؟..
قال.. استفدنا معرفة غيرنا.. والآن فتح الله عليكِ بمعرفة أفكار الأجداد وعلمهم.. تعلمنا ثقافتين قديمة.. وحديثة..
قالت.. ماذا استفدت من علمك؟..
قال.. ما استفدت أنتِ منه..
ثم أردف قائلاً.. علينا أن نتدارس فيما بيننا ما استفدناه من أجدادنا وأحوالهم وتعاملاتهم.. فذلك ليس موجوداً في الكتب الجامعية ولا في مكتباتها..
قالت.. لقد كانوا سعداءً.. راضين.. قانعين.. يملأ الحب قلوبهم.. تواضعهم عز.. وشرفهم تقوى.. يمشون في أرض الله وكأنهم ملائكة.. لا تكبر ولا كبر.. صوت مسموع بأدب.. يمشون على الأرض التي ترحب بهم.. مطمئنين.. آمنين.. متواضعين..
قال.. لقد كان فيهم عزم وحسن ظن.. وصدق في القول.. وإتقان في العمل.. وأداءٌ للأمانة.. وتسامح.. مترفعين عن الشهوات ومؤدين للحقوق..
مرت لحظات صمت وتأمل بين الاثنين..
قالت.. هل يمكن أن نكون مثلما وصفت؟..
قال.. بالإمكان.. ولكن بصبر أكبر وتحمل أكثر.. فقد كان معظم من حولهم يتشابهون..
ونحن اليوم لابد لنا أن نتشابه مع من نتعامل..
قالت.. كأني بك تراجعت..
قال.. لا.. ولكن لابد ان أكون واقعياً وحكى لها قصة القرية التي خرج أهلها إلى أزقتها في شكل جنوني.. فعرف أنهم شربوا من النهر.. فما كان منه إلا أن يشرب من النهر ليكون مثلهم..
عاشا على ذكرى أجدادهما.. ولازالا يتعايشان مع من حولهما.. ويدعوان الله على أن يحسن خاتمتهما في يوم واحد.. وهما مدوامين على الحمد والشكر.. حتى إذا رأوا ما يسرهما قالا ما شاء الله لا قوة إلا بالله.. وإذا رأوا غير ذلك قالا.. لا حول ولا قوة إلا بالله..
اللهم أحسن خاتمتنا على الإيمان..