على الرغم من أن التغيير والتطور المستمر هو الأصل في عالم الإنترنت، فإن التغيير المحتمل والذي سيكون أكثر عمقا وأشد إثارة للاضطراب هو التحول من خدمات الإنترنت المركزية التي تديرها وتسيطر عليها كيانات عملاقة، إلى خدمات لا مركزية ولا تخضع لسيطرة مؤسسات كبرى معروفة.
ويرى تايلور كوين أستاذ الاقتصاد في جامعة جورج ماسون الأمريكية أن خدمات الإنترنت الرئيسية في العالم حتى الآن تديرها حاليا شركات عملاقة مركزية مثل أمازون وتويتر وفيسبوك. ولهذه الكيانات هيكل قيادة ورئيس يمكن التعامل، وبالتالي فإن التغييرات تتم ووفق قرارات مدروسة. وحتى شبكة المعلومات المعروفة ويكيبديا تعتبر خدمة مركزية رغم أن محرريها والمساهمين في إعداد محتواها متفرقون حول العالم ولا تربط بينهم أي صلات رسمية أو مؤسسية.
ويقول تايلور كوين في تحليل نشرته وكالة بلومبرج للأنباء إنه من الصعب تحديد مفهوم الخدمات اللامركزية على الإنترنت، لكن هناك مثالين يمكن أن يساعدا في ذلك. المثال الأول هو خدمة البريد الإلكتروني والتي تتكون من شبكات من القواعد والوصلات البينية التي لا تخضع لسيطرة أو ملكية أي شركة أو مؤسسة، رغم أن البعض يعتقد أن موفر خدمة البريد الإلكتروني مثل مايكروسوفت التي تقدم خدمة هوتميل أو جوجل التي تقدم خدمة جي ميل يسيطر على خدمة البريد الإلكتروني. المثال الثاني هو الشبكة العنكبوتية الدولية أو الإنترنت نفسها، فهي عبارة عن سلاسل من البرتوكولات مع كميات ضخمة من البيانات التي تتراكم فوق بعضها. كما تعتبر العملة الرقمية المشفرة “بتكوين” مثالا لخدمات الإنترنت اللامركزية، إلا إذا قررت أغلب شركات سك هذه العملة غير ذلك، وهو أمر صعب للغاية.
ويضيف كوين “عندما أسمع أشخاصا عاديين يناقشون مستقبل الإنترنت، فإن السؤال الأكثر شيوعا في مثل هذه المناقشات يتعلق بنوع الشركة أو الخدمة الجديدة القادمة. ومن أحدث المبتكرات الموجودة في مجال التواصل الاجتماعي حاليا منتدى النقاش الصوتي “كلوب هاوس”. ولا شك انه سيكون هناك المزيد مثل هذا المنتدى.
في المقابل يتعلق السؤال الأكبر في مناقشات المستثمرين ورواد الأعمال حول مستقبل الإنترنت بنوع الخدمة أو المنصة اللامركزية الجديدة القادمة. وقد مرت شبكة الإنترنت بالكثير من التغييرات الأساسية منذ ظهورها لأول مرة في الستينيات، والأشخاص الأكثر ذكاء هم الذين يعملون على تقديم المبتكرات قبل غيرهم. ولا يوجد أي سبب منطقي لكي نفترض أن الوضع الراهن لعالم الإنترنت مقدس، ؛ وفي الواقع هناك سبب كاف لافتراض العكس.
ويتوقع رائد الأعمال في مجال الإنترنت بالاجي سيرنيفاسان أن يكون مستقبل الإنترنت لا مركزيا بصورة جذرية. ففي رسائله المتكررة عبر موقع التواصل الاجتماعي تويتر يرى أن التشفير واللامركزية سيلتهمان العالم، ويعيدان صياغة مقولة مارك أندرسون البالغ عمرها عشر سنوات بشان البرمجيات. وإذا فرض موقع تويتر الرقابة على بعض المشاركات التي يتم بثها عبره، فسيلجأ أصحاب هذه المشاركات إلى بثها عبر خدمات أخرى لا تمارس الحجب أو الرقابة.
ولماذا على سبيل المثال ، لا يتم بث شبكات التواصل الاجتماعي عبر تكنولوجيا البيانات المتسلسلة، من خلال دفع مبالغ صغيرة باستخدام
العملات المشفرة لهؤلاء الذين يوفرون تلك الخدمة؟ قد تكون مراقبة المنشورات على مثل هذه الخدمة صعبة مثل إعادة إنتاج العملة الرقمية المشفرة، وهو أمر بالغ الصعوبة. وبدلاً من الاضطرار إلى التعامل مع قواعد المحتوى على شبكات التواصل الاجتماعي المركزية مثل تويتر وواتس آب، فإن المستخدم في هذه الحالة يمكنه وضع القواعد الخاصة به أو عدم الالتزام بأي قواعد على الإطلاق.
ويرى سرينيفاسان أن مثل هذا التداول الحر والسري الذي يجري عبر تكنولوجيا البيانات المتسلسلة، ليس فقط بالنسبة للأموال وإنما أيضا
بالنسبة للمعلومات، سيتم خارج سيطرة الحكومات او “حراس البوابة” الرسميين.
وإذا ما ظهرت هذه اللامركزية الجذرية، فإن أكثر المفاهيم احتياجا إلى المراجعة الجذرية سيكون مفهوم القضاء. وهناك قصص لأشخاص تعرضت محافظ عملتهم الرقمية المشفرة للقرصنة، دون أن يكون لديهم بنك أو شركة وساطة يذهبون إليه لاسترداد أموالهم كما يحدث عندما تتعرض حساباتهم المصرفية التقليدية للقرصنة فيستردون أموالهم من البنك. وهناك قصص لأشخاص نسوا كلمات المرور الخاصة بهذه المحافظ وبالتالي يفقدون القدرة على الوصول إليها مجددا فتضيع أموالهم، لانه لا توجد جهة يمكن التواصل معها لإعادة تعيين كلمة المرور كما هو الحال في الخدمات الإلكترونية المركزية الحالية. مثل هذه الوقائع ستصبح في المستقبل اكثر انتشارا وتكرارا وبالتالي ستكون هناك حاجة إلى إعادة التفكير بالكامل في قواعد التحكم والسيطرة، بحسب تايلور كوين مؤلف كتاب “رسالة حب إلى البطل الأمريكي المضاد”.